top of page

الفيلم الثاني "في بروج" – من أفلام مارتين ماكدوناخ

  • عمر الجضعي
  • Apr 17
  • 3 min read

أنتج عام 2008  - مدة الفيلم: 107 دقيقة

 

أخفق "راي" في أول مهمة له، فسافر هو وشريكه "كين" إلى مدينة بروج البلجيكية حتى تهدأ الأوضاع. رايموند هو قاتل مأجور قتل بريئًا بالخطأ. خشي رؤساؤه أن يفتضح أمرهم بعد الضرر الذي حصل، فرتبوا إرسالهما إلى هذه المدينة التاريخية البعيدة عن صخب المدن وخلافات عصابات أهل موطنهم إيرلندا. وجد البطل السياح الذين يبحثون عن الأماكن الأثرية، كما وجد فريق تصوير بلجيكي يعد لتصوير فيلم عن سلسلة أحلام. تتعقد قصته مع اثنين من طاقم التصوير؛ الأولى فتاة أعجب بها وواعدها، والثاني رجل قصير، بل قزم، تخاصم معه كلما رآه أثناء تمشيه في المدينة.

نبدأ الفيلم بسماع البطل، دون أن نراه، يتذمر من مدينة بروج بطابعها الأوروبي العتيق من العصور الوسطى. هو للتو وصلها مع شريكه، ويعتبرها مدينة قبيحة – لم يخرج حتى من محطة القطار بعد. ثم لما حثه شريكه على التمشي و"رؤية المواقع" كما يقولون عنها في لغتهم، صار يذهب إلى الأماكن السياحية مكرهًا. هو يتذمر وشريكه يشرح له المعاني الكنسية لما يرون في المعابد والمآثر. كان غير مهتم بسبب صراعه الداخلي في جرمه الذي ارتكبه دون قصد: قتل من لا يستحق القتل، بل قتل طفلًا بريئًا كان في كنيسة يدعو ربه. شناعة الذنب ثقيلة على راي، بينما شريكه كين يهون عليه أنه لم يكن يقصد.

في افتتاحية الفيلم، وقبل أن ينطق أحد، نرى لقطات لتماثيل، ومنها تمثال لطفل. في هذه اللقطة يلمح مارتين ماكدوناخ إلى ثيمة مهمة في الفيلم، إلى مصائر الصغار، ربما إلى الأقزام كذلك. كأنه يحاول أن يلبس علينا بينها كلها؛ بين ذنب راي الذي يهرب منه، وتماثيل الصغار التي تتبعه، والقزم الذي يصادفه أينما ذهب. وهذه مفارقة رمزية لا يضعها إلا كاتب مبدع؛ أن يجعل قصة البطل المحكية لنا تعارض جرحه. كل ما يحدث له يصرخ فيه ويذكره بجرحه. بل حتى المكان، مدينة بروج، عظمت من هذه المفارقة وصارت تذكره وتعمق جرحه.

اختيار مارتين ماكدوناخ لمدينة بروج لتكون مأوى لهذين الهاربين فيه رمزية عميقة. هو لم يخترها لأنها ستكون وجهة جيدة لتصوير فيلمه، ولا لتكون سياحة لفريق الإنتاج، أو لأنها تشجع السياحة هناك. بل السبب في اختيارها نابع من عقدة البطل، من صراعه في ذاته. وأنا أبحث عن هذه المدينة، وجدت أن فيها تمثالًا من تماثيل مايكل آنجلو، اسمه "مادونا بروج" أو "مادونا والطفل". وهو تمثال لمريم العذراء مع طفل جالس في حجرها؛ يقصد به المسيح. هذا التمثال الروماني الكاثوليكي وضعوه في كاثدرائية بروج، وهنا مقصد الكاتب الذي أراد ذكره. الآثار الرومانية الكاثوليكية كثيرة في هذه المدينة، وفي عقيدة الكاثوليك تركيز كبير على موضوع الطفل، أو الابن، الذي يمثل المسيح. ففي اختياره للمكان تكريس في عقدة البطل النادم على قتل طفل، والذي يتعرف فيها أيضًا على قزم، كأنه طفل لكنه ليس كذلك، مما يضيف لوضع راي حيرة أكبر في كيف عليه أن يعامله.

*

موضوع الرغبة في الانتحار يكررها ماكدوناخ هنا بعد فيلمه الأول القصير، ونجد البطل يفكر في الانتحار للخلاص من مأساته. بالإضافة كذلك إلى وجود موضوع الدين، وتساؤله عن الإيمان والجنة والنار وأهل الأعراف: لا يدري هو سيحشر مع أي من هؤلاء! كل هذه ثيمات متكررة عند ماكدوناخ، لكنها متجددة.



كما في فيلمه الأول وشخصية الشاب الساذج كثير الأسئلة واللحوح في ذكر قصة البقرة التي انفجرت، نجد هنا أكثر من شخص غبي، أو يظهر عليهم بعض الغباء. أوضحهم هو البطل راي وتعامله مع القزم وسؤاله في محاولته لفهمه، والتي تبدو فيها غباء منه. وأمر آخر أجده في البطل راي: سلوكه البريء المشابه للأطفال أحيانًا. عندما مل من رؤية الأماكن القديمة مع كين الذي أجبره على الخروج معه مرة، صار يتصرف كالأطفال ويتحرك بثقل ويحرك الكراسي في الكنيسة. بل في مشهد خاصمه كين بقوله: "كم عمرك؟ خمس سنوات؟" ومرة أخرى عندما رأى القزم من بعيد في النهار أشار له بالسلام من بعيد ولم ينتبه له، فغضب كيف أنه تجاهله. أجد أن سذاجة راي وخفة عقله هي مشابهة للأطفال؛ أي هي تأكيد في الثيمة التي وضعها مارتين ماكدوناخ في فيلمه.

أخرج مارتين كل هذا بطابع خفيف أقرب للكوميديا لكنها غير مضحكة إلا ما ندر. وأرى أن هذا النوع يتقنه ماكدوناخ في كتابة أفلامه التي أتحدث عنها في سلسلتي هذه: أن يقول المضحك ولا نضحك، أن يكون المضحك أمر مأساوي تمتنع أنفسنا عن الضحك لكنها تشدو إليه بطريقة غريبة؛ كأنه ضحك داخلي.

*

وجدت ماكدوناخ يضع شخصية لقزم في فيلم آخر أنتجه بعد هذا بسنوات، هو الفيلم القادم الذي سأعيد مشاهدته وسأكتب عنه. اختار لتمثيل شخصية القزم في فيلمه اللاحق أحد أبطال مسلسل صراع العروش الشهير.

 

 

شوال 1446

Recent Posts

Comments


Commenting on this post isn't available anymore. Contact the site owner for more info.

© جميع الحقوق الفكرية محفوظة لصاحب الموقع

bottom of page