الحروب والصابون! – نواعق إنيشرين
- عمر الجضعي
- Apr 28
- 3 min read
الفيلم الرابع (نواعق إنيشرين) – من أفلام مارتين ماكدوناخ
أنتج عام 2022 - مدة الفيلم: 114 دقيقة
قرر رجل أن يتخلى عن صديقه، أن يقطع صداقته معه. لم يفهم البطل بادريك لماذا صديقه كولم سوني لاري، الأكبر منه والأحكم، يرفض مرافقته إلى الحانة كعادتهما كل يوم الساعة الثانية ظهرًا. ليكتشف لاحقًا أن صديقه لا يريد قضاء الوقت معه. حجة كولم لهذا الفعل هي أنه بدأ يؤلف الألحان على آلة الكمنجة، ولو واصل رفقة صديقه كل يوم لخسر وقته ولما تمكن من إنهاء ألحانه. فجأة صار يحس بالزمن الذي ضيعه! ربما هو ندم يتعاظم مع التقدم في العمر، لا أدري. هو يعتبر أن صديقه لا يتحدث إلا في الأمور التافهة الساذجة، وقضاء الوقت معه سيجعله يخسر الكثير من لحظات التفكير ومن عزف الألحان.

نشبت هذه الحرب بين الصديقين منذ مطلع الحكاية. صار بادريك يحاول فهم لماذا كولم لا يريده، وزاد إصرارًا في تتبعه ودعوته إلى الحانة والجلوس معه كلما وجده هناك. بينما كولم فكان ينهره مهددًا ألا يأتيه ولا يكلمه أو يسأل عنه، وإلا قطع أصبعًا من أصابع يده – يد كولم نفسه! أي سيضر بنفسه لو بادريك لم يحترم قطع الصداقة بينهما. هذه الحرب المحيرة ليست إلا جزءًا يسيرًا من حرب كبرى. ثيمة الحرب هي الجو العام للحكاية. فأحداث القصة تقع في عام 1923 أثناء الحرب الأهلية في إيرلندا، وعنوان الفيلم كان يستخدم في تلك الحرب ليعني: إيرلندا الجزيرة أو جزيرة إيرلندا – وهو مكان متخيل رمزي. كلما اضطرب بادريك في معضلته مع صديقه الذي يقاطعه، نرى ذكرًا لأمر تلك الحرب التي تعيشها الجزيرة، أو نسمع المدافع تدوي والطائرات تقصف من بعيد. كأن مارتين ماكدوناخ يلمح إلى أن دخول بلد ما في حرب أهلية هو يشابه قرار أحد أن يعادي صديقًا له. ربما هو يرى أن الخلاف السياسي الذي عاشته إيرلندا تلك الفترة هو مشابه لصديقين قرر أحدهما أنه لا يريد الآخر ويضر نفسه دون سبب.
ومن الطرائف الساخرة في الفيلم عن هذا الموضوع، هو حديث مفتش الشرطة (أو رئيس الشرطة) عن نيته السفر خارج جزيرتهم إلى العاصمة ليساعد في تنفيذ إعدامات طلبت منه. هو لا يدري إن كان من سيعدمهم في صف الثائرين الإيرلنديين أو في الصف المناهض لهم، لا تفرق معه كثيرًا. يشارك في إعدام أناس من قومه، من جسد وطنه، وفي هذه مفارقة صارخة مع حرب الصديقين. نجد كولم يفعل نفس الشيء في حربه مع بادريك: يضر نفسه ويهدد بإعدام أصابع جسده.
كولين فاريل هو من مثل دور بادريك، كما هو نفسه مثل دور رايموند في فيلم "في بروج" الذي كتبت عنه من قبل. أتقن الدور في شكله ولبسه وشعره وإيماءاته. كل ما في هذه الشخصية يوحي أنه ساذج، ذو ذكاء منخفض، يتأثر بمن حوله، لكنه ليس غبيًا. وهذه الشخصية فريدة عن راي في ذلك الفيلم، وأيضًا عن ديكسون في فيلم ماكدوناخ الثالث "ثلاث لوحات إعلانية خارج إيبينغ، ميسوري". استطاع ماكدوناخ أن يمايز في طبيعة كل شخصياته هذه رغم التشابه بينها.
دومينيك هو الغبي الأكبر في هذه الحكاية. حتى بادريك يعرف غباء الشاب دومينيك كثير الكلام متهور الأفعال. هو من عبر عن كرهه للحروب، وقال إنه معارض للحروب والصابون! لا أدري ما شأن الصابون وشأن الحروب. ربما هو يقصد كرهه الطفولي للاستحمام. هذه الشخصية هي معيار لمدى اعتدال بادريك، لكنها تورطه في أمور سيندم عليها.
*
بنظرة إلى الثيمات الأخرى التي تعودنا من مارتين ماكدوناخ أن يكررها، نجد أن مسألة الدين ومعارضة أفعال الشخصيات ومقاصدهم له حاضرة. وأيضًا محاولات إقناع القس لكولم أن يتخلى عن وعده تذكرني بمحاولة القس في فيلم ثلاث لوحات إعلانية مع ميلدريد أن تتخلى عن انتقامها بتعليق اللوحات. لكن الدين هنا حاضر بشكل أكبر، والميثولوجيا بارزة متمثلة في النواعق تطاردهم أينما حلوا.
أما الأقزام فلا وجود لهم في هذه الحكاية، وهذا تغير كبير عن الفيلمين الماضيين. القزم في فيلم "في بروج" كان ممثلًا أمريكيًا أتى إلى بلجيكا ليعمل مع فريق التصوير البلجيكي، والقزم في فيلم "ثلاث لوحات إعلانية–" هو أمريكي أيضًا لأن كل الحكاية في ولاية ميسوري الأمريكية، أما هذا الفيلم "نواعق إنيشرين" فأحداثه في إيرلندا وكل الشخصيات إيرلندية. ربما لهذا السبب لم يضع شخصًا قزمًا! كأن مارتين ماكدوناخ لا يضع الأقزام إلا لشخصيات أمريكية! سيعد تسرعًا في الحكم لو أطلقته عليه. دعني أقول هي صدفة.
*
عناوين أفلام ماكدوناخ تحمل عادة اسم المكان: بروج البلجيكية، إيبينغ في ميسوري الأمريكية، وإنيشرين التي تعني جزيرة إيرلندا. بينما فيلمه الأول القصير لم يكن في عنوانه اسم مكان "مطلق الست"، ولا فيلمه القادم الذي اسمه "وايلد هورس ناين."
"نواعق إنيشرين" هو أحدث فيلم عرض لماكدوناخ، وأنتظر للعام القادم فيلمه اللاحق، ذو الأحصنة التسعة، حتى يعرض في الشاشات لأشاهده. هذه أول مرة أترقب لفيلم سيعرض بعد سنة، ربما أكثر! سأكتب عنه حينها لا شك.
شوال 1446
Kommentare