top of page

أفلام مارتين ماكدوناخ: التجديد في القصص والتكرار في الثيمات - وأيضًا تحليلي لفيلمه الأول القصير

  • عمر الجضعي
  • Apr 7
  • 3 min read

عرفت بالصدفة الكاتب والمخرج الإيرلندي مارتين ماكدوناخ، بل شاهدت فلمين له دون أن أعرفه لا كاتبًا ولا مخرجًا لأي منهما. كنت قبل عامين (في 2023) قد اخترت مشاهدة فيلمًا إيرلنديًا مرشحًا لجائزة أكاديمية الأوسكار ذلك العام – والذي للأسف لم يفز فيها رغم استحقاقه العالي لها – ومنذ الدقائق الأولى ألح علي إحساس بتشابه هذا الفيلم لفيلم آخر قديم. وكلما تقدمت بي الأحداث كلما ازدادت الصلة: في كوميديا المأساة التي تضحكني وتحزنني معًا، وفي سذاجة الشخصيات ومعاناتها السهلة العميقة المعنى. كل شيء فيه ذكرني بفيلم "في بروج" المنتج عام 2008. بحثت في موسوعة الأفلام، ووجدت الكاتب المخرج هو نفسه للفيلمين. الممثلون الرئيسيون هم نفسهم في الفيلمين أيضًا، وربما هذا ما ساعدني في تذكر الفيلم الشبيه.

وجدت أن للفيلمين ثيمات متقاربة، رغم أن الأول أحداثه في مدينة بروج البلجيكية، والثاني في جزيرة إنيشرين. فالفيلم الأول أحداثه في وسط مدينة عتيقة ببناياتها المكتظة الحجرية، والفيلم الثاني في جزيرة متخيلة تكاد تفرغ من الناس. القصتان مختلفتان، لكن كلما فكرت فيهما أجد لمسات الكاتب في خلق المعاناة وفي تصرف الشخصيات لمواجهة مخاوفهم والتعامل مع جروحهم. جعلني هذا أفكر: ماذا عن بقية أفلامه؟ بالذات التي كتبها وأخرجها معًا؟ سواء الأفلام المنتجة ما بين هذين الفيلمين أو قبلهما. انطلقت بعدها إلى تتبع أفلامه، وزدت تعلقًا بأسلوبه، وبتأكيده على ثيمات تهمه وتهم الشعب الإيرلندي، لكن في نفس الوقت يتفاعل معها كل مشاهد.

مسيرة مارتين ماكدوناخ الفنية بدأت في عام 2000، لكن أفلامه التي كتبها وأخرجها بدأها عام 2004 مع فيلم قصير، وبعده فيلم في بروج، ثم فيلمين  آخرين، حتى فيلم عوانق إنيشيرن.

سأضع هنا تحليلي لفيلمه القصير، ولن أتردد في كشف أحداثه لصعوبة الحديث عن قصة قصيرة دون فضح حبكتها، وأيضًا لأنني لا أظن بأن أحدًا سيشاهده لصعوبة البحث عنه. وأما أفلامه الأخرى، فسأكتب عن ثلاثة منها في مدونات لاحقة وسأحاول أن أقتصد في كشف الأحداث، إلا أنني سأكتب عن قصصها وأقارب بينها – وهذه مهمة صعبة.

*

الفيلم الأول (مسدس الست أو مطلق الست، أنتج عام 2004 ) - مدة الفيلم: 26 دقيقة          

معنى العنوان: هو عن نوع من المسدسات يحتوي على ست رصاصات في مخزنه ويسمونه بالإنجليزية (Six Shooter) والتي تعني مطلق الست. اختار مارتين هذا عنوانًا لفيلمه الأول.

ست طلقات في هذا الفيلم القصير ، ست ميتات: زوجة البطل في المستشفى حين أنبأه الطبيب، وابن زوجين لقيهما في عربة القطار، وأم الابن هذا والتي ماتت لاحقًا، وشاب معهم كذلك، وبقرة حكى قصتها الشاب حين امتلأت بطنها بالغازات وانفجرت، وأرنب أليف عند البطل قتله قبل أن يحاول الاطلاق على نفسه. أراد البطل الانتحار ولم ينجح: فسد المسدس من الحرارة بعد إطلاقه على الأرنب، وبقي هو ولم يمت. مات ستة في الفيلم لا أكثر، كما أعلن عنه العنوان.

من هذا الفيلم، يبدأ مارتين ماكدوناخ أفلامه وقصصه عن محاولات الانتحار؛ رجل يفكر بالانتحار وهو يائس من كل شيء، وربما يمنعه أمر تافه كخلل في المسدس مثل فيلمه الأول هذا. وأمر آخر أجده يتكرر لاحقًا في أفلامه، هو عن موت الأحبة، موت الابن أو الابنة، وكيف تتعامل شخصياته مع هذا الحدث. ماتت هنا زوجة البطل، ومات ابن الغريبين الذين معه في القطار. هو تعاطف معهما لصدفة الموت الذي أخذ زوجته وابن هذين الزوجين في نفس اليوم. بينما من يشاركهما عربة القطار هو شاب ثرثار لا يتعاطف ولا يراعي خصوصية الناس وأحزانهم، ونكته بذيئة يقولها دون تحسس من عار أو خجل. هم يعانون مع الموت الذي أخذ أحبابهم، وهو ما يريد إلا أن يحكي قصة البقرة التي انفجرت وماتت! يرى أنها مضحكة، أعظم شيء شاهده في طفولته يقول.

عيوب الإخراج كثيرة في هذا الفيلم كبدايات أي فنان. تركيز الصورة يقع على أشياء صغيرة فتظهر متضخمة على كامل الشاشة دون مبرر، وبعض تبريرات الحدث منطقها ضعيف: أهمها أن عربة القطار الكبيرة ليس فيها إلا أربعة جالسين، رجل وزوجته والبطل والشاب. كلهم غرباء إلا أن البطل جلس مقابل الشاب. إذا كانت العربة فارغة فلماذا جلس عنده؟ الجواب لأجل أن يتحاورا وتنطلق القصة. لكن ما الذي جعله يجلس عنده وهو صامت؟ الشاب هو المفترض أن يأتي إليه؛ خصوصًا أنه كثير الكلام.

موضوع الدين حاضر في القصة. زوجة البطل كاثولوكية، وفي المشهد الأول نراها على السرير الأبيض والصليب قد وضع في يديها وسبحة الصلاة كذلك. تحدث البطل للشاب الثرثار أنه غير متدين، شك في إلهه، والشاب يعترض. في أفلام ماكدوناخ اللاحقة يكون موضوع الدين حاضرًا أكثر، بل حتى يكون لقس الكنيسة مشهد يتكلم فيه أو يحدث له أمر جلل.

عندما ذهب البطل يبحث عن عامل القطار الذي لم يمر عليهم بعربته ليبيع عليهم، طلب منه قارورة كحول فأنكر عليه البائع أنهم لا زالوا في بداية النهار. أجد هذا يتكرر لاحقًا في أفلامه؛ أن يكون الكحول حاضرًا في صراعات الشخصيات مع موت أحبابهم. وهذا أمر يعيشه المجتمع الإيرلندي كذلك.

أسلوب مارتين في تشكيل قصصه لم يكتمل إلا في فيلمه اللاحق في بروج، كأنه هنا كان يستكشف ويجرب.

*

سأعيد مشاهدة فيلمه الثاني "في بروج"، وسأكتب عنه منشورًا آخر، أو مقالة أو تدوينة - لا أدري ما أسميها. لكن سأقتصد في كشف الأحداث حتى لا يتضرر أحد من دخان الحرق.

 

شوال 1446


Comments


Commenting on this post isn't available anymore. Contact the site owner for more info.

© جميع الحقوق الفكرية محفوظة لصاحب الموقع

bottom of page