الفيلم الثالث (ثلاث لوحات إعلانية خارج إيبينغ، ميسوري) – من أفلام مارتين ماكدوناخ
- عمر الجضعي
- Apr 22
- 3 min read
أنتج عام 2017 – مدة الفيلم: 115 دقيقة
قررت "ميلدريد" أن تستأجر ثلاث لوحات إعلانية لمدة عام خارج بلدتها إيبينغ في طريق قديم. أرادت من فعلها هذا أن تتحدى رئيس الشرطة، والسلطات الأمنية بشكل عام، على ما اعتبرته تقاعسًا عن إكمال التحقيق في مقتل واغتصاب ابنتها ذات الستة عشر عامًا قبل أشهر. نشرت في اللوحات هذه سؤالًا لرئيس الشرطة عن ماذا حدث في التحقيق؟ كيف لم تجدوهم؟

من النظرة الأولى لبداية أحداث القصة نعرف أن إيرلندا لا ذكر لها هنا: الشخصيات أمريكيون، والحدث في ولاية ميسوري الأمريكية. لكن هذا لا يعني أن ماكدوناخ تخلى عن أسلوبه القصصي المعهود في أفلامه السابقة. في المشهد الأول نرى ميلدريد وهي تتفحص في هذه اللوحات الثلاث الخشبية المهجورة في ذلك الطريق القديم، وعلى إحدى تلك اللوحات إعلان قديم فقد بريقه وفيه صورة طفل رضيع. ذكرني هذا الإعلان بثيمة فيلم "في بروج" وذنب رايموند الشنيع الذي تكلمت عنه من قبل.
البطل في هذه الحكاية ليس غبيًا أو طفوليًا في تصرفه مثل راي بطل الفيلم السابق. ميلدريد البطلة معها حق فيما تفعل، وحتى رئيس الشرطة معه حق في دفاعه عن نفسه، بل هو مريض بسرطان البنكرياس، وهي لا زالت تضع اسمه على اللوحة تعانده. هي تعرف من قبل أنه مريض، وردها اللا مبالي أنه لا داعي أن أرفع اللوحة بعد أن يموت، سأرفعها الآن!
لكن الغبي حقًا في هذه القصة هو ضابط في الشرطة اسمه ديكسون. يتعامل بالعنف في تحقيقاته، وعرف عنه أنه يؤذي المتهمين. وكان غاضبًا حين لم يجبر رئيس الشرطة وكيل الإعلانات الذي حقق معه على إنزال الإعلانات تلك. ذهب بنفسه ليهدده بالضرب أو نزع اللوحات الإعلانية المستأجرة. لم يحقق غايته وبقيت اللوحات. تصرفات هذا الضابط وطريقة حديثه توضح مدى بطء فهمه وسوء قراراته. يبدو في بداية القصة أنه هو الشرير في هذه الحكاية. بينما البطلة على نقيضه، هي من فعل أخطاء وارتكبتها، ويحق للمتلقي ربما أن يعتبرها شريرة.
الإضحاك الذي عمده ماكدوناخ مقتصر على شخصية هذا الضابط، بالسخرية منه ومن سفاهته وتأثره بما يقال له. رغم ذلك، غلب الطابع الدرامي التراجيدي على القصة، باستثناء بعض الضحكات القاتمة هنا وهناك على مفارقات درامية بعضها مأساوية، أو هفوات لسان ضابط الشرطة الغبي وحركاته.
القزم في هذه الحكاية هو رجل معجب بميلدريد، وهو الأعقل والأحكم في الحكاية كلها؛ وهذا تطور في معالجة القصة عند مارتين ماكدوناخ، الذي يبدو لي أنه حسن من نظرته عن القصار، ولا شك أنه قدمهم وحكى عنهم بشكل مختلف. في الفيلم السابق كان البطل يستكشف هذا القزم الذي حيره ولا يدري كيف يعامله ولا كيف هذا القزم يعيش الحياة بيننا. بينما في هذا الفيلم، فنجد البطلة تعرف كيف تعامله، وكيف تتصرف عندما أبدى إعجابه بها.
ثيماته الأخرى كانت حاضرة كذلك: الانتحار ومسألة الدين وانطباع البطل عن أفعاله بمنظور ديني. القس أيضًا كان حاضرًا في أحد المشاهد.

*
رغم كل هذا التكرار الذي ذكرته في الثيمات في أفلام الكاتب المخرج مارتين ماكدونخ، إلا أن موضوع القصة وحبكة الفيلم هنا مختلفة تمامًا عن فيلمه السابق. ففي فيلم "في بروج" كانت ثيمة الفيلم عن الشعور بالذنب، وندم البطل على فعل قديم. بينما موضوع قصة فيلم "ثلاث لوحات إعلانية خارج إيبينغ، ميسوري" فكان عن الانتقام. رغبة ميلدريد بالانتقام على مقتل واغتصاب ابنتها هو المحرك للحدث، والدافع للمشاهد أن يعرف أكثر عما هي ستفعله، وما ستفعل الشرطة في هذه البلدة الصغيرة بعد أن تحدتهم. تخبت الرغبة في الانتقام وتعود حسب أحداث القصة القاسية والمأساوية.
هذا الاختلاف في الموضوع والحبكة ومكان الأحداث يظهر مدى براعة الكاتب في عدم تكرار ما يقدم والمواصلة في الابتكار، رغم استخدامه نفس أدواته التي يغير منها ويعدل حسبما يحتاج.
*
سيعود مارتين ماكدوناخ في فيلمه اللاحق بعد خمس سنوات إلى إيرلندا ونواعق في جزيرة متخيلة هناك. سأعيد مشاهدة فيلمه، وأنا أعرف مسبقًا التشابه في ثيماته، وكوميديا المأساة التي لا ينفك عنها في أفلامه. لا يؤثر أي من هذا على حضور القصة ومشاهدتها.
شوال 1446




Comments